كتبي: لا يجوز استخدام المفتي كلمة"حرام " لمن حج بدون تصريح من وزارة الداخلية

[كوفي]

صحيفة المرصد: أ



نكر الكاتب زهير كتبي في مقال له تحت عنوان " الحج بلا تصريح .. ليس محرما " ، تحريم الحج بلا تصريح ، مشيرا الى أن ما قاله سماحة المفتي في فتواه بتحريم الحج لمن لا يحمل تصريح رسمي من وزارة الداخلية ، كلام غير دقيق ، ولا يرتبط بشروط وأركان الحج التي وضعتها العقيدة الاسلامية .
وقال " اعتقد أن ليس من حق ولي الامر وضع الأنظمة أو التنظيمات التي تعترض مع العقيدة الاسلامية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " .
أما استخدام سماحة المفتي ، وفضيلة الشيخ صالح الفوزان كلمة .. [ حرام ].. لمن حج بدون تصريح من وزارة الداخلية ، فهذا الاستخدام لا يجوز ،وغير مناسب في موضعه ولم يتوفق المشائخ في استخدامه .
نص المقال ..

الحج .. بلا تصريح .. ليس حراماً
بقلم : الدكتور زهير محمد جميل كتبي
أديب وكاتب سعودي
قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) (الحج:25) .
كما جاء في الحديث النبوي الشريف : (( تابعوا بين الحج والعمرة فأنهما ينفيان الفقر كما ينفي الكير صدا الحديد والذهب والفضة )).
اطلعت ــ كغيري ــ على تصريح سماحة مفتي المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل شيخ ، وفي ذلك في أثناء اللقاء المفتوح لسماحته مع طلاب الإسكان الجامعي بجامعة الملك سعود بالرياض وذلك في شهر الحج عام 1429هـ.: (( وفي معرض رده على سؤال جواز الحج بدون تصريح وان هناك من يؤثر ارتكاب إثم ليأخذ اجرا كبيرا بذهابه للحج ؟. قال سماحته : من يفعل ذلك اراد نافلة فارتكب محرما من نافلة ، مشدداً على ان ولي الامر لم يصدر هذا القرار عبثا ، مشيراً الى انه نتيجة لكثرة التقارير التي تأتي بشكل يومي لولي الامر على الزحام وكثرة الناس اصدر هذا القرار لمعاناته ومراقبته للوضع وعلمه بحال الحجاج متسائلا ماذا يعملون وهذا القرار عرض على هيئة كبار العلماء في حياة والدنا وشيخنا عبدالعزيز بن باز ــ رحمه الله ــ ومن هو في ايمانه وعلمه وورعه؟ )) .
وبين سماحته ان الموضوع عرض على الهيئة فاكتسب الاغلبية فأصدرت قرارها مؤكدا أنه يجوز لولي الامر تنظيم المدة لخمسة سنوات . داعياً من ادى فريضة الحج ان يلزم الانتظار ، وينفذ السمع والطاعة بالمعروف ويستجيب لقرار ولي الامر ، لافتا الى ان التحاليل على الاوامر والانظمة لا يجوز ابداً )).
وكذلك صرح فضيلة الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء .
قال في تصريح له نشر بجريدة عكاظ بعددها ( 15435 ) يوم السبت 1/12/1429هـ.
( اعتبر الشيخ الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء الحج دون تصريح مخالفة ومعصية لولي الامر ، ومعصيته تعتبر حراما وتعديا لان الحج عبادة والعبادة ينبغي على المسلم ان لا يعمل فيها اعتداء ولا تعديا او مخالفة للنظام موضحا ان من أراد الاجر فلا يحج حتى يؤذن له ، لان هذا من صالح الجميع بسبب كثرة الزحام والشقاق والفتنة التي تحصل في دوس الأقدام والإصابات الكثيرة الناتجة عن ذلك وحدوث الأخطار الاخرى ، مشيراً الى ان النظام وضع لمصلحة الجميع ، فالذي يريد الأجر لا يحج إلا بتصريح )).
وكتب القاضي الشيخ سعيد بن عوض آل رداد الاسمري مقالا صحافياً نشر بجريدة عكاظ بعددها ( 15436 ) وتاريخ الأحد 2/12/1429هـ. صـ 29 وتحت عنوان / الحج دون تصريح .. مخالفة شرعية . جاء فيه : (( ومن يكرر الحج فقد ارتكب ثلاثة محاذير ، اولها مخالفة ولي الامر بالحج بدون تصريح ، والثاني : ترك العمل لمن كان لديه وظيفة تتطلب البقاء مثل أئمة المساجد والعسكريين ) والذهاب للحج نفلا ، والنفل سنة فكيف يأخذ بالسنة ويترك الواجب الذي يثاب فاعله ويعاقب تراكه ، الثالث : انه لم يستأذن من مرجعه ، وقد قال أهل الفتوى من علمائنا المعاصرين انه لا يجوز الذهاب إلى الحج ولو كان فرض إلا بعد الأذن من مرجعه . كتب هذه برآه للذمة ونصح للأمة وبالله توفيقي وعليه اعتمادي )).
إن الدين الإسلامي يرفض التبعية الدينية في الجانب السياسي ، ولا يميل ولا يحبذ الميل إلى استيعاب الوجود السلطوي عن طريق المجاملة الدينية للسلطة السياسية . بل أن العقيدة الإسلامي تتساوى عندها النظرة إلى المستوى الجماعي لمصلحة الأمة مع ما يتحقق فيه لمصلحة ولي الأمر ما دام أن المصلحة مشتركة . ولكن لم تحبذا العقيدة الإسلامية للميل للسلطان على حساب الرعية . فلا يجوز وضع السياسة داخل الدين ، وفي مستوى الدين .
أريد أن أقول أن ما قاله سماحة المفتي في فتواه بتحريم الحج لمن لا يحمل تصريح رسمي من وزارة الداخلية ، كلام غير دقيق ، ولا يرتبط بشروط وأركان الحج التي وضعتها العقيدة الاسلامية . واعتقد أن ليس من حق ولي الامر وضع الأنظمة أو التنظيمات التي تعترض مع العقيدة الاسلامية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
أما استخدام سماحة المفتي ، وفضيلة الشيخ صالح الفوزان كلمة .. [ حرام ].. لمن حج بدون تصريح من وزارة الداخلية ، فهذا الاستخدام لا يجوز ،وغير مناسب في موضعه ولم يتوفق المشائخ في استخدامه . فلقد اتفق جمهور العلماء والفقهاء على تعريف .. [ الحرام ].. بالتالي :
الحرام هو : ما طلب الشارع ( الله عز وجل أو الرسول  ) الكف عنه على وجه الحتم والالزام فيكون تاركه مأجور مطيعا وفاعله آثما عاصياً . أي أنه ما يعاقب عليه فاعله ، ويثاب تاركه اذا امتثل في تركه نهي الله سبحانه وتعالى.
وأما الحلال فلا إثم في فعله كما أنه لا إثم في تركه إلا اذا قصد في فعله التقوى به على طاعة الله سبحانه وتعالى فهو مثاب بهذه النية .
والتحليل والتحريم من حق الله تعالى ، فإن المشركين قد حرموا ما لم يحرمه الله تعالى ، كالبحيرة والسائبة واستحلوا ما حرمه الله كقتل اولادهم ، وشرعوا ديناً لم يأذن به الله ، قال الله تعالى : ( وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) (الأنعام 136) .
حقيقة بحثت في كثير من الكتب والمراجع والمصادر الدينية عن ضرورة وجود أو توفر موافقة ولي الأمر على حج المسلم . فلم أجد أي دليل يؤكد وجود ذلك . وموافقة ولي الأمر ليست ضمن أركان وشروط الحج .
والحج حث الدين الإسلامي على أدائه،فهناك الكثير من الأدلة التي تشير لذلك منها :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي  قال : (( تابعوا بين الحج والعمرة ، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب ، كما ينفي الكير خيث الحديد )).
وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي  : (( من حج لله فلم يرفث ، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )) .
وقال  : (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) .
(( فقد روى عدد من الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . انه قال : (( تابعوا بين الحج والعمرة فإنها ينفيان الفقر والذنوب )). أخرجه الإمام احمد في المسند ، والترمذي في الجامع كتاب الحج قال الترمذي : حديث ابن مسعود حديث حسن وصحيح وفي الباب عن عمر وعامر بن ربيعة وابي هريرة وعبدالله بن حبشي وجابر وأم سلمة رضي الله عنهم . وقد وضح الفقهاء معنى "المتابعة " الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم : ( تابعوا بين الحج والعمرة ) بأن يجعل احدهما تابعا للأخر واقعاً عقبه . أي إذا حججتم فاعتمروا ، وإن اعتمرتم فحجوا فإنهما متتابعان . وإليكم بعض من حج من علماء مكة المكرمة وغيرهم من العلماء سنوات عديدة مثل :
1/: سعيد بن جبير الإمام الفقيه التابعي تلميذ ابن عباس كان يخرج إلى مكة المكرمة في كل عام مرتين مرة للحج ومرة للعمرة . سير أعلام النبلاء 4/325 ).
2/: طاووس بن كيسان من فقهاء مكة المكرمة المشهورين حج أربعين حجة . ( العقد الثمين للفاسي 4/293 ).
3/: سفيان بن عيينة الإمام المحدث الفقيه حج ثمانين حجة وعاش 91 سنة ( سير إعلام النبلاء 8/465 ).
4/: الحافظ المسند محمد بن يحي العدني شيخ الحرم في زمانة حج سبعا وسبعين حجة . (تذكرة الحفاظ 2/501 ).
5/: عطاء بن أبي رباح المكي مفتي مكة المكرمة حج سبعين حجة وعاش مائة سنة
( العقد الثمين ( 5/205 ).
6/: ويقال أن الفياض بن عياض وهو من كبار علماء الزهد والورع أنه حج أكثر من خمسين مرة .
وعندما نعود إلى تاريخ دفن العلماء الأجلاء الذين دفنوا في مقبرة المعلاة بالحجون نجد أن أكثرهم قد حج أكثر من عشر حجات .
فهل عندما حج أولئك العلماء والفقهاء أو كرروا الحج احتاجوا إلى تصريح من ولي الأمر ؟.
إذن يتضح أن ما قاله سماحة المفتى وغيره من علمائنا الفضلاء الإجلاء ــ رعاهم الله ــ ، لا يمت بصلة مع شروط وأركان الحج . وأن تكرار الحج هو مطلب ديني ، ومن فعل التكرار فلا أثم عليه كما بينت من تكرار الكثير من علماء وفقهاء الأمة للحج .