مهور السعوديات: "تيسير" للزواج أم "كارثة" على المجتمع

[محب الأخبار]

دعاء بهاء الدين- سبق- جدة:


"500 ريال، 1000، 200000 ريال". ليست هذه أسهم بورصة أو مزاد تحف، بل تبايناً في مهر الفتيات السعوديات؛ فمع ازدياد معدل العنوسة في المجتمع السعودي تنازلت بعض الأُسَر عن ثوابتها المادية لمواجهة شبح الغلاء، أملاً بتوفير حياة سعيدة لبناتهم.
بيد أن الغالبية العظمى ما زال يحتفظ بالعادات والتقاليد والمباهاة بالمهور.
وقد أكد المختصون لـ"سبق" ضرورة "تقنين" المهر تيسيراً على الشباب في بناء أسرة متماسكة، واعتبروا الغلاء في المهور "متاجرة" بالمرأة، وكارثة على المجتمع؛ حيث إنه يؤدي إلى ارتفاع معدل العنوسة وما ينجم عنها من مشكلات اجتماعية.


توافق اجتماعي
في البداية قالت لـ"سبق" الطالبة نسيلة البارقي: لا أشترط أن يكون مهري مرتفعاً؛ اهتم في المقام الأول بأن يتوافق معي زوجي اجتماعياً وثقافياً. موضحة أن بعض صديقاتها كانت مهورهن مرتفعة، بيد أنهن افتقدن التوافق الشخصي والاجتماعي؛ فكان الطلاق هو النهاية لفترة زواج لم تدم أكثر من ستة أشهر.

مهر 1000ريال
وعبَّرت لـ"سبق" ابنة شيخ إحدى القبائل عن سعادتها بمهرها البسيط، وقالت لـ"سبق": اشترط أبي مهر 1000 ريال بعد سؤاله عن زوجي. مبينة أن زوجها يتمتع بالسيرة الحسنة، إضافة إلى التوافق الثقافي والاجتماعي.
وتابعت حديثها قائلة: "أنصح بنات عائلتي بعدم الاهتمام بالجانب المادي في تقييم العريس، خاصة إذا كان يتمتع بالخلق القويم والإيمان.


مكانة اجتماعية
بيد أن "ريما"، طبيبة، رفضت الفكرة كلياً، وقالت لـ"سبق": عائلتنا تتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة، ومتوسط قيمة مهر بناتها من 100 إلى 200 ألف ريال. وتابعت "لا أستطيع القبول بمهر أقل من ذلك؛ فمؤهلاتي العلمية وأسرتي تضمنان لي مهراً مرتفعاً، يضعني في مقدمة بنات العائلة.

تيسير نفقات الزواج
وأوضح شيخ قرية "سحام" ببيشة، الشيخ عبد الله الحارثي، أن أقل مهر شهد عليه قدره 200 ريال، وبيَّن أنه كان عشاء بسيطاً، اقتصر على أهل العروسين فقط.
وأشار إلى قوانين قبيلته في تحديد المهور، محدداً مهر البكر بـ30 ألف ريال، والثيب بـ20 ألف ريال، وربما أقل من ذلك.
وقال الحارثي لـ"سبق": لقد زوَّجت ابنتي من دون حفل زواج، وكان مهرها بسيطاً جداً. ورأى أن فتيات هذه الأيام ينشغلن باختيار الشباب الصالحين أكثر من الجوانب المادية، داعياً الآباء إلى تخفيض المهور، وكذلك تيسير نفقات الزواج.

القضاء على العنوسة
وقال لـ"سبق" شيخ قبيلة "المجامرة"، الشيخ حسن الجابرية البارقي: إن المهور في منطقتي تصل إلى 40 ألف ريال، وهناك فتيات مهرهن أقل من ذلك. موضحاً أن بعض الشيوخ في قبيلته يقبلون مهوراً تتراوح بين 500 و10000 ريال. وأبان أن انخفاض تكاليف الزواج بمنطقته ساهم في القضاء على عنوسة الفتيات.
وأوضح البارقي أن سن زواج الفتاة في قبيلته يتراوح بين 15 و20 عاماً، وزواج الفتاة يتم من شباب القبيلة أو خارجها. مشيداً بدور الآباء في مساعدة الشباب على تدبير نفقات الزواج، ورافضاً اشتراط بعض الأُسَر ارتفاع مهور بناتهن، لافتاً إلى أن هذا يكبِّل الشاب بالديون في مقتبل زواجه.

تقنين المهور
وأرجع المأذون الشرعي بمنطقة عسير، الشيخ عمر العاطفي، ارتفاع المهور إلى النظرة الاجتماعية المقارِنة بالآخرين، وأعرب عن أسفه تجاه بعض الآباء الذين يحققون ثروات طائلة بسبب تزويج بناتهن من رجال أثرياء، ربما يفتقدون بعض القيم الأخلاقية والدينية. داعياً الأُسَر إلى غرس قيم القناعة في بناتهن، ومؤكداً ضرورة الاهتمام برأي الفتاة في مهرها، وأوضح أن هذا يتطلب ثقافة دينية وتوعية للمجتمع.
ولفت العاطفي إلى أن ارتفاع المهور يجعل الشباب يفكِّرون في الزواج بأجنبية، رغبة في زواج أقل تكلفة. مبيناً أن هذا سبب ارتفاع نسبة عنوسة الفتيات، وأن تخفيض المهور مطلبٌ شرعيٌّ مُعينٌ على الطاعة. ودعا ولاة الأمر والقضاة إلى "تقنين المهور"؛ كي لا يتعداها أحد، وأبان أن هذا التحديد ييسِّر الزواج؛ حيث تكتفي المرأة بالمال والذهب، وفي الوقت ذاته لا يمثل ذلك عبئاً على الزوج، خاصة في ظل غلاء المعيشة وانخفاض معدل الرواتب.
ودعا العاطفي شيوخ القبائل إلى إنشاء "صندوق العائلة"، وهو عبارة عن مساهمة شهرية تساعد في تزويج الشباب، كما دعا التجار إلى معاونة الشباب في بناء بيوت مطمئنة قائمة على الشرع.

عادات قبلية
من جانبها أفادت لـ"سبق" الباحثة الاجتماعية لبنى الطحلاوي بأن الدين الإسلامي شرع المهر تقديراً للمرأة، واعتبرت المهر المتواضع للغاية سبباً في ازدراء الشاب لعروسه، ورفضت في الوقت ذاته المهر المبالَغ فيه.
وتساءلت الطحلاوي: لماذا تتفاخر الأُسَر بقيمة المهر؟! واصفة ذلك بـ"العادات القبلية"، ولافتة إلى أن هذا يخلق ضغائن نفسية بين بنات العائلة الواحدة.
ورفضت الطحلاوي ربط احترام الفتاة بارتفاع مهرها، وبيّنت أنه عند زواج الفتاة بزوج سيئ فسوف يصبح المهر هباءً منثوراً.
ولفتت إلى أن المفاهيم الخاطئة في الزواج مرتبطة بعدم الوعي، سواء كان بالقبيلة أو المدينة، مؤكدة أنها عادات تتنافى مع الشرع، وبيّنت أنه كلما تحضّر الفرد تعامل بانفتاح ثقافي مع مجتمعه.


نتائج كارثية
واعتبر عضو مجلس الشورى السابق الدكتور محمد آل زلفة المبالغة في المهور "متاجرة بالمرأة"، وانتقد كذلك المهر الزهيد، موضحاً أنه في كلتا الحالتين يقع ضررٌ على المرأة، ورافضاً إجبار الفتاة على الزواج في الأحوال كلها.
ورأى آل زلفة أن المجتمع يعيش في جزر منفصلة، وعدَّ زواج الفتاة من أسرتها أو قبيلتها تقليصاً لفرص الاختيار لديها، وأعرب عن أمله بتفكيك هذه المفاهيم القبلية البعيدة عن الدين.
وتساءل عبر "سبق": متى يختار الزوجان بعضهما بعيداً عن التدخل السافر للأهل؟ داعياً الأب إلى اختيار الزوج الكفء لابنته من الجوانب الثقافية والدينية وليس المادية فقط، ولافتاً إلى أن الزواج دون معرفة الزوجين بعضهما ببعض يُفرز نتائج "كارثية" كارتفاع معدل العنوسة، وتضاعُف نِسَب الطلاق.
وطالب آل زلفة الجهات المعنية بالبحث عن حلول واقعية لمشكلات المجتمع السعودي