::موقع ومنتديات أهالي المذنب الرسمي::

::موقع ومنتديات أهالي المذنب الرسمي:: (http://www.almethnb.com/vb/index.php)
-   المنتدى الإسلامي (http://www.almethnb.com/vb/forumdisplay.php?f=64)
-   -   أرواحٌ حائرة .. (http://www.almethnb.com/vb/showthread.php?t=33411)

محمد العطار 10-28-2015 01:14 AM

أرواحٌ حائرة ..
 
لم أعرفه للوهلة الأولى ..

ملامحه تغيرت كثيرًا ..

بدا وكأنّ الزمان تقدم به سنوات ..

اقتربتُ .. ألقيتُ التحية ..

بادرته سائلاً عن حالِه وما استجد من أمره ..

تلقاني بفتور غير معهود منه .. خاصةً معي ..

وأنا الذي لم يكن يأتمن على أسراره سواي ..

يروي لي ما لا يبوح به لأحد حتى لوالدته ..

والدته التي كانت هي أسرته كلها ..

طُلّقت من والده .. بعد مولده بشهور ..

بذلت جهدًا كبيرًا لتحتفظ به لديها ..

وجهدًا أكبر لتوفر له ما يحتاجه أقرانه ..

مع كل شهر يمر وسنةٍ تمضي ..

يكبر جسمه وتكبر احتياجاته وتزداد تكاليفه ومؤونته ..

ويزداد العبء عليها ..

علمته دروسًا بعدد الأنفاس ..

وغرست في نفسه مبدأ .. الاستغناء عن الناس ..

نشأ على ذلك .. ونما بداخله ذلك الإحساس ..

..


لا زلتُ أذكر لقاءنا الأول ..

..

..


لديك طالبٌ جديد بالحلقة أستاذ محمد ..

ناداه المشرف ..

تفضل يا رائد ..

اتجه المشرف نحوي مستطردًا :

قبلناه في حلقتك رغم إغلاق باب التسجيل .. لأنّ العدد لديك لم يكتمل ..

فأرجو أن توليه عنايةً خاصة ..

التقت عيناي بعينيه في نظرةٍ سريعة ..

علمت على الفور ..

أن وراء تلك النظرة قصةٌ طويلة ..


*****

ما بك يا رائد ؟

أين بريق العزم الذي عهدته في عينيك ؟!

وما هذا الانكسار البادي عليك .. ويظهر حتى في مِشيتك ؟

رفع إليّ عينين خاويتين ..

تمتم بخفوت :

يائس يا أستاذ .. محطم .. أريد الخلاص من حياتي .


تناولت ذراعَه ..

اجلس يا رائد ..

اهدأ وأخبرني ما بك ؟

وضع رأسه بين كفيه .. وكأنّ كتفيه لا يقويان على حملها ..

ثم قال : أرجوك لا تتعب نفسك ..

أنا قررت وانتهى الأمر ..

قلتُ : أوتظنّ القرارَ بيدك ؟ ..

قال : ماذا تعني ؟ بيد من إذن إن لم يكن بيدي ؟!

كعادتي كلما أردتُ إثارة كوامن تأثُره ..
قرأت مُرتلاً : ( ليس لك من الأمر شيئ )


لمن قيلت هذه العبارة يا رائد ؟ .. أأنت خيرٌ أم هو ؟!

انتفضَ مرتعِدًا وهو يقول : .. صلى الله عليه وسلم .

سامحك الله .. دائمًا تهزُّني كلماتك وتعرف كيف تؤثرُ في قلبي وتفكيري ..

لذلك ترددت قبل أن أوافق على لقياك .

نكّس رأسُه مرةً أخرى ..

فبادرتُه قائلاً : أنا أعلمُ مدى حُبّك للنبيّ صلى الله عليه وسلم .. وأعلم أنه مفتاح الدخول إلى قلبك .

نظر إليّ مرةً أخرى وقال بتصميم : ولكني حسمتُ أمري ولا مجالَ للتردد أو إعادة التفكير .


قلتُ : لن أجادلَك .. ولكني سأسلُك سؤالاً واحدًا ..

صمتَ قليلاً ثمّ قال بفضول : وما هو ؟

قلتُ هل تعلم متى تقومُ الساعة ؟

عقدَ حاجبيه باستنكار .. وهتف : هاه ؟؟!! هل هذا سؤال ؟؟

قلتُ : اهدأ وأجِبني ..

قال : بالطبع لا أعلم .. ولا أحد من البشر يعلم .

قلت : كلامك صحيح .. لكن ..

استقام ظهره وهو يكادُ يصرخ : لكن ؟؟؟ .. لكن ماذا ؟؟

قلت : يا رائد .. إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها ، فليغرسها .

الساعة .. القيامة بأهوالها يا رائد .. إذا قامت .. وأنت تعلم ماذا يصاحب قيامَها ..

ومع ذلك يأتيك الأمر النبوي الكريم .. بغرس الفسيلة ..

فسيلة يا رائد .. !!

متى تضرب بجذورها في الأرض .. ؟

ومتى يصلب عودها وتسمق أغصانها .. ؟

ومتى تثمر وقد قامت الساعة .. ؟؟؟؟

أما زلت يائسًا .. ؟؟

أوقد حسمتَ أمرَك ؟؟

طاعةً لمن ؟؟

وفي سبيل ماذا ؟؟


..

أم هل تراك نسيت عبارة الحسن البصري التي كنت تزين بها دفاترك دائمًا ..

(( رحم الله رجلا وقف عند همه إن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر )) ..

وماذا عن والدتك ؟

أم تُراك نسيتَها كذلك

ونسيتَ ما فعَلته لأجلك ؟!

يا رائد .. أتراك بما عزمت عليه .. تتقدم أم تتأخر ..

ثم شرعت في الترتيل كعادتي معه :


( كَلاَّ وَالْقَمَرِ


وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ

وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ

إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ

نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ

لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ )

..

أسكتني صوت نشيجه وجسمه يهتز بشدة ..

أخذت أربت على كتفه برفق ..

وأنا أردد بهدوء :

تُرى .. أنتقدم .. أم نتأخر .. يا رائد ؟!

نتقدم .. أم نتأخر .

..

..



عبدالله الزيدان 10-28-2015 10:54 PM

رد: أرواحٌ حائرة ..
 
كتبت فأبدعت ،، زادك الله تألقاً..

نــــون 11-01-2015 07:09 PM

رد: أرواحٌ حائرة ..
 
ماأضعف ذاك الإنسان !.. انها الدوائر تدور بنا قد تكْسُرنا بعضها فنرتد على أعقابنا خُسرانا
نُطأطئ الرؤوس خيبة يضمحل أمام ناظرينا كل معنى للحياة حتى يدب اليأس في الأرواح
انها معادلة طرديه نقف أمامها دون حراك !
وحده الأمل القادر على لم ّ ذاك الشتات العاصف بالفكر !
نحتاج لجرعات عديدة من التفاؤل ، الأمل ، الصبر نحتاج لـ سُلم كي نصعد به حيث التحدي
الإستسلام يعني أن تبقى في حالة بعثرة يصعب علينا فيها جمع ذاك الشتات
القوة أن تنهض أن تقف أن تصلب قدميك بما تحمله من ثقلك
أن تتصدى للخذلان من الذات فتقمعها عن ذاك الوهن
ولكي نعيش لابد من أن نحيا روحا ً وجسدا ً



مبهر بحق أيها العطار ! .. سلمت تلك اليمين وذاك الفكر المتأجج بالمعرفة

محمد العطار 11-04-2015 06:09 PM

رد: أرواحٌ حائرة ..
 
عميق شكري وتقديري لكل من الكريمين أ/ عبد الله الزيدان

وأ / نــــــون .. صاحب العبارات الجميلة والرسم البديع بحروف لغته المعبرة

دمتم بكل خير .


الساعة الآن 11:01 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024,>