المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أسباب الصبر عن المعصية ، لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .


أبوملوح
05-22-2010, 08:21 AM
:00006:
تعريف الصبر
أيها الإخوة الكرام ، يمكن أن يعرف الإيمان بكلمة واحدة : إنه الصبر ، لأن الله أودع في الإنسان الشهوات ، وبإمكانه من خلالها أن يفعل كل شيء ، لكن الله سمح له بأشياء ، وحرم عليه أشياء ، فحينما يضبط نفسه ، ويتحرك في المساحة المسموح بها يكون مؤمناً ، وحينما يتحرك من دون قيد أو شرط يكون كافراً ، إذاً الإيمان هو الصبر .
الضبط بحث في علم النفس ، يوضح هذا البحث الفرق بين الحيوان والإنسان ، أيضاً في الحيوان شهوات ، عند الحيوان المؤثر يقتضي الإجابة الفورية ، كيف ؟ ضع أمام قطة قطعة لحم تجد استجابة فورية في أكلها ، تملكها ، لا تملكها ، يجوز ، لا يجوز ، لعلها تحرج صاحب هذه اللحمة ، مادام هناك طعام تشتهيه فلابد من أن تأكله ، الحيوان تضربه فيضربك ، لكن أحياناً الأب يضرب ابنه ، والابن يبقى واقفاً ، لعله يضرب صديقه لو ضربه ، أما لو جاء الضرب من قِبل الأب يبقى في مكانه من دون أن يتحرك ، الأمثلة كثيرة جداً ، فالفرق بين الحيوان والإنسان أن في الحيوان مؤثر الاستجابة ، والإنسان مؤثر تفكير استجابة ، هذا ينقلنا إلى أن الإنسان أيضاً عنده شهوات ، وهناك مؤثرات ، لكن الإرادة التي هي قرار يلي المحاكمة ، الإرادة تصميم على شيء تصميم على الامتناع ، أو على الإقبال ، القرار الذي يلي المحاكمة هو الإرادة .
أنواع الصبر


فلذلك أيها الإخوة ، في هذا الدرس سأتحدث عن أسباب الصبر عن المعصية ، بالمناسبة هناك صبر على الطاعة ، أنت حينما تصلي عشرين ركعة هذا شيء متعب ، إنك تصبر ، وأنت في الصلاة ، والأقرب إلى الراحة أن تبقى في البيت ، هناك صبر على الطاعة ، هناك صبر عن المعصية ، وهناك صبر على قضاء الله وقدره ، فأنواع الصبر ثلاثة .
بنود المحاكمة التي تسبق قرار الابتعاد عن المعصية


الحديث اليوم عن الصبر عن المعصية ، المحاكمة التي تسبق قرار الابتعاد عن المعصية ما بنودها ؟
علم العبد بقبحها و دناءتها


لأن القاعدة الأصولية أن الحسن ما حسنه الشرع ، وأن القبيح ما قبحه الشرع ، ولو ما أعجبك القبيح ، ولم يعجبك الحسن ، لأن هذا الشرع من عند خالق السماوات والأرض ، ومن عند الخبير ، وهو أعلم منك بأسباب سلامتك وسعادتك ، فالمؤمن مستسلم لله عز وجل .
أضرب على هذا مثلاً دقيقاً : أن عالماً من دمشق ذهب إلى أمريكا ، والتقى بمسلم حديث عهد بالإسلام ، لكن من أساتذة الجامعات المتفوقين ، وطُرح موضوع الخنزير ، وهذا العالم الدمشقي جزاه الله خيراً تحدث ساعة وزيادة عن مضار لحم الخنزير ، وعن الدودة الشريطية ، وعن ، وعن ... فكان جواب هذا العالم : كان يكفيك أن تقول لي : إن الله حرمه ، أنا لا أحتاج لكل هذه التفاصيل ، لأن الذي حرمه هو الخالق ، ببساطة بالغة أنت مع طبيب تقرأ على لوحته بورد ، يحمل البورد ، لا تفكر أن تناقشه ، لا تفكر أن تعترض عليه ، لأنك واثق من علمه ، فإذا حرم الله عليك شيئاً كمؤمن لا تحتاج إلى تعليلات ، لأن هذا من عند الخبير ، قال تعالى :

[ سورة فاطر : الآية 14]
إذاً حينما تعلم أن هذا الشيء محرم ، وأن الله ما كان ليحرمه إلا لأنه يفسد عليك سلامتك وسعادتك ، ولك ثقة بالله عز وجل تستجيب .
بالمناسبة ، هذا الذي لا يقدم على شيء ، أو لا يدع شيئاً إلا إذا علم الحكمة منه هذا لا يعبد الله ، يعبد ذاته ، لذلك قالوا : علة أية أمر أنه أمر .
تصديق سيدنا الصديق لرسول الله حينما قيل له : " إنه عرج إلى السماء قال : إن قال هذا فقد صدق " .
هناك جزء في حياتنا أساسه الثقة ، ألا تثق أن هذا القرآن كلام الله ؟ أثق ، ألا تثق أن الله هو الخير المطلق والرحمة المطلقة ؟ أثق ، إذاً مادام الله قد حرمه انتهى الأمر ، قال له : كان يكفيك أن تقول لي : إن الله قد حرمه .
العلاقة بين الشيء المحرم ونتائجه علاقة علمية


فحينما يحرم الله شيئاً يجب أن تعلم أن العلاقة بين الشيء المحرم ونتائجه علاقة علمية ، معنى علاقة علمية أيْ علاقة سبب بنتيجة ، أنا حينما أمنع ابني أن يجلس على مقعد معين فهذا المنع وضعي ، المقعد أعد للجلوس ، لكنني لسبب أو لآخر منعته على أن يجلس على هذا المقعد بالذات ، فإذا جلس فقد عصاني ، لكن العلاقة بين المعصية وبين النتيجة ليست علمية ، إنما هي وضعية ، جلس على مقعد أعد للجلوس ، لكن الأب منعه ، فلما جلس عاقبه ، فالعلاقة بين العقوبة والجلوس ليست علاقة علمية ، بل هي علاقة وضعية ، الأب وضع هذه القاعدة ، أما حينما يضع الابن يده على المدفأة ، وهي مشتعلة تحترق اليد ، نقول : العلاقة بين وضع اليد واحتراقها علاقة علمية ، علاقة سبب بنتيجة ، أنت حينما توقن أن العلاقة بين المعصية ونتائجها علاقة علمية ، علاقة سبب بنتيجة تستسلم لله عز وجل .
الحياء من الله


فإن العبد متى علم أن الله ينظر إليه ، وأنه بمرأى ومسمع ، وكان يستحي من ربه ، يستحي أن يعصيه ، والله مطلع عليه هذا سبب آخر .
علمه اليقيني أن المعاصي تزيل النعم


أنت حينما تعصي الله كأنك تطلب من الله أن يزيل عنك النعم ، وهذا المعنى ورد بآية قرآنية ، قال تعالى :

[ سورة سبأ : الآية 19]
معنى ذلك أن تكون المسافة بين البلدين مسافة طويلة ، لا نبات ، ولا شيء من هذا القبيل ، أحيانا تنتقل مثلاً من بلد إلى بلد ، لكن الطريق كله أخضر ، وكله أكمات ، وكله أشجار ، وكله أنهار ، لا تشعر أن المسافة طويلة ، أما حينما تنتقل فرضاً من حمص إلى دمشق غير انتقالك من طرطوس إلى اللاذقية ، يوجد فرق كبير .

يعني يا رب امحق بلادنا ، يا رب اجعل بلادنا جرداء ، هل في الأرض قوم يدعون بهذا الدعاء ؟ ما معنى الآية إذاً ؟ أنت حينما تعصي الله كأن لسان حالك يقول : يا رب دمرني ، يا رب أزل عني النعم ، يا رب امحقني ، يا رب أفقرني ، يا رب عاقبني ، لسان حالك هكذا ، إذاً السبب الثالث أن المؤمن يوقن أن المعاصي تزيل النعم ، قال تعالى:

[ سورة الجن : الآية 16]

[ سورة المائدة : الآية 66]
قال :
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
خوف الله وخشية عقابه


إن لكل سيئة عقاباً ، حتى إن بعض الشباب ممن تتلمذ على بعض الشيوخ ، وقد أعلمه شيخه أن لكل سيئة عقاباً ، فلما زلّت قدمه بحسب كلام شيخه هو ينتظر العقاب ، لم يحدث شيء ، مضى أسبوع ، وأسبوعان ، ثم ناجى ربه فقال : يا رب ، لقد عصيتك فلم تعاقبني ؟ قيل : وقع في قلب هذا الشاب : أنْ يا عبدي قد عاقبتك ولم تدر ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟
أنت حينما تكون في طاعة فالطريق إلى الله سالك ، والخط ساخن ، والخط مفتوح دائماً ، أما حينما تعصي الله فالطريق إلى الله مسدود ، والخط غير ساخن ، ومقطوع ، وما قيمة جهاز هاتف غال جداً ، لكن بلا خط هاتفي ، لا قيمة له إطلاقاً ، فالإنسان حينما يعصي الله يقطع العلاقة بينه وبين الله .
حدثني أخ زار هولندا ، وتصفح مجلة رأى فيها إعلانًا لهاتف خلوي ، أن رجل دين تشع الأنوار من رأسه موصول بالله مرت فتاة متبذلة ، فأحدّ النظر فيها ، فأطفأت أنواره ، ثم قيل له : بهذا الخط تعيد الاتصال مع الله ، هذا كإعلان ، لكن الإنسان حينما يعصي الله ينقطع ، ويصبح خطه مع الله مقطوعاً ، وطريقه إلى الله غير سالك ، إذاً السبب الرابع خوف الله وخشية عقابه .
السبب الأقوى لترك المعاصي حب الله


الذي يحب الله عز وجل ، والذي يسوق نفسه إلى بابه بدافع الحب هذا أعلى من الذي يسوق نفسه إلى بابه بدافع الخوف ، لأن العلاقة التي أرادها الله بين العباد ورب العباد علاقة حب ، لذلك الله عز وجل قال :

[سورة البقرة : من الآية 256]
لا يريدك إلا أن تأتيه طائعاً ، أن تأتيه محباً ، أن تأتيه بمبادرة منك ، لأنه يحبهم ، ويحبونه ، أراد الله أن تكون العلاقة بينه وبين عباده علاقة حب ، فالذي يعصي الله يعبر عن عدم حبه لله ، فحينما تنعقد صلةُ الإنسان بالله يخشى على هذه الصلة أن تنقطع ، هو يستقيم لأنه يحب الله ، هذا الذي أحب فتاة سواء قيس لبنى أو مجنون ليلى ، يحبها وبعيره يحب ناقتها من شدة محبته لها ، يضاف إلى هذا البند أن المحبة وحدها لا تكفي ، بل لابد من أن تقترن بإجلال المحبوب ، فقد يحب الإنسان ابنه الصغير ، لكنه لا يجله ، ينبغي أن تقترن محبة الله عز وجل بالإجلال ، جل جلاله .
بالمناسبة ، أنت في علاقاتك الاجتماعية قد تجد إنساناً تحبه ، ولا تجله ، أو إنسان له والدة يحبها حباً جماً ، لكنها غير متعلمة ، هو معه دكتوراه ، فيحبها ، ويتمنى رضاها ، وهو في خدمتها ، لكنه يعلم أن أفقها ضيق جداً .
مرة امرأة ما صدقت أن الإنسان صعد إلى القمر ، الدليل أن حجمه صغير جداً ، لا يتسع لإنسان ، هكذا ثقافتها ، إنسان ألقى درساً في المسجد ، وظن أن حبل السرة فيه هواء يتنفس الجنين عن طريقه ، فالإنسان أحيانا يكون أفقه محدودًا ، ويتكلم ، قد تحبه ، ولا تجله ، وأحيانا يكون عندك أستاذ في الجامعة تقدر علمه ، ولا تحبه ، تقول عنه : لئيم ، قاس ، لا يرحم ، تجله ولا تحبه ، وقد تحبه ولا تجله ، لكن أعظم ما في الذات الإلهية أنك بقدر ما تجله بقدر ما تحبه .

[ سورة الرحمن : الآية 78]

الفطرة


الله عز وجل فطرك فطرة عالية عزيزة ، تحب أن تكون عالياً ، تحب أن تكون عزيزاً ، هذه الفطرة تمنعك أن تعصي الله ، فكيف بإنسان له مكانة في المجتمع ، والطريق ممنوع ، لا يمر في الطريق الممنوع مع أنه أقصر ، يقول لك : أنا لا أتضعضع أمام شرطي ، مكانتي لا تسمح لي أن أعتذر أمام شرطي ، فيسلك الطريق الأطول المسموح ، ولا يسلك الطريق الأقصر ، لأن مكانته كبيرة جداً .
قوة العلم بحتمية عاقبة المعصية


أحد الأسباب أيضاً التي تمنعك أن تعصي الله : قوة العلم بحتمية عاقبة المعصية ، والله أيها الإخوة ، وهذا الكلام خذوه على محمله الحقيقي : يكاد المؤمن ، يكاد لا تعني أن الشيء وقع ، لو قلت : كدت أقع هل وقعت ؟ هذا الفعل عجيب في اللغة ، إن أثبته فهو منفي ، وإن نفيته فهو مثبت ، ما كدت أقع حتى قمت ، معنى هذا أنني وقعت ، مع أن الفعل منفي ، أما كدت أقع ، لم تقع ، يكاد المؤمن يعلم الغيب ، هل يعلم الغيب ؟ لا ، أما حينما ترى إنسانا يأكل أموال الناس بالباطل ، حينما ترى إنسانا يزهق أرواح الناس بالباطل يجب أن تعلم علم اليقين أنه لابد له من مصير أسود ، تكاد تعلم الغيب ، لذلك الإنسان المستقيم أنا أكاد أقول : تنتظره حياة طيبة ، والإنسان المنحرف أكاد أقول : تنتظره مصائب تلو المصائب ، هذه قضايا ثابتة ، أنت لو قيل لك : إنسان يركب مركبة في طريق ضيق ، عن يمين الطريق واد سحيق ، وعن يساره واد سحيق ، والطريق كله انعطافات ، وفي الليل وفجأة انطفأ ضوء المركبة ، تقول : الحادث حتمي ، الطريق متعرج ، فالحادث بالمئة مئة ، هل معنى ذلك أنك تعلم الغيب ؟ لا ، تعلم القوانين ، و كذلك الذنوب تميت القلوب ، وتفقر بعد الغنى ، والرزق ينقص بعد العطاء ، ويحرم حلاوة الطاعات ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ وكل ذنب يستدعي ذنباً آخر ، والإنسان بالتعبير المعاصر باللغة الأجنبية (ديناميكي ) ، ويقابله (ستاتيك ) أي سكوني ، فكل طاعة تستدعي طاعة ، يقول : تداعيات ، مصطلح يستخدم بالأخبار ، المعصية تداعياتها معصية أخرى ، معصية ثالثة ، رابعة .. والطاعة تداعياتها طاعة ثانية ، ثالثة ، رابعة ، خامسة ، ويعلم الإنسان أن هذه المعصية فوت عليه من الخير الشيء الكثير .
ثبات شجرة الإيمان في القلب


شيء آخر يدعو إلى ترك المعاصي ، وهو جامع لكل هذه الأسباب : ثبات شجرة الإيمان في القلب ، فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه ، حتى أكون واقعيا المعاصي محببة ، هؤلاء المنغمسون بالمعاصي ، كالبهيمة تماماً ، رأوا قطعة لحم فأقبلوا عليها ، ألغيت المحاكمة في أذهانهم ، المعاصي تتوافق مع الطبع ، والمعاصي تتناقض مع الفطرة ، فلذلك لو أن المعاصي غير محببة لابتعد الناس عنها ، أكبر شاهد أن العمل الحرام محبب ، والعمل الحلال فيه مشقة ، (( أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ )) ، هكذا استرخاء ، تأكل ما تشاء ، تلتقي مع من تشاء ، تفعل ما تشاء ، تتكلم ما تشاء ،
(( أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ )) .
[أحمد]

هناك جهد ، يقول لك : تكاليف ، أي ذات كلفة ، تكلف الإنسان جهداً ومشقة ، فقوة الإيمان في القلب تدعو العبد إلى الصبر عن المعاصي ، وكلما كان إيمانه أقوى كان صبره أتم ، وإذا ضعف الإيمان ضعف الصبر ، هذا أكبر سبب يعين على الصبر ، قوة الإيمان ، و هناك شواهد كثيرة من حياتنا .
دخل طالب كلية الطب ، فبنى آمالا أن يأخذ دكتوراه ، ويسافر إلى بلاد بعيدة فيأتي بالبورد ، ويفتح عيادة ، وهو في أناقة ، في ملبسه ، أناقة في بيته ، محترم ، معزز ، مبجل ، دخلٌ فلكي ، يدعى لمؤتمرات ، هذه الصورة الجميلة ، وهو يدرس الساعة الثانية ، وهو يقول : سأتابِع حتى أنجح ، ما الذي يدعوه إلى الصبر على الدراسة ؟ هذه الرؤية لمستقبل الإنسان حينما يتخرج ، فلذلك أنت حينما تعلم ماذا ينتظر المؤمن من سعادة أبدية تصبر على كل شيء .

والحمد لله رب العالمين

غايتي رضى ربي
05-22-2010, 06:30 PM
شكرا لك يالغالي..
ماقصرت لاترحمنا من مشاركاتك وردودك...

ABoOoD
05-24-2010, 02:30 PM
اثابك الله يا ابا ملوح


........................