المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إدريس فلقي.. شيخ زاهد رفض مغادرة المسجد رغم احتراق مخازنه


الصحفي
06-01-2014, 07:51 PM
عسير تودع "والد المساكين".. وشاعر يرثيه: نجم هوى فاغبرت البيداء



إدريس فلقي.. شيخ زاهد رفض مغادرة المسجد رغم احتراق مخازنه



http://cdn.sabq.org/files/news-image/297642.jpg?538765
محمد الطاير– سبق- الرياض: قبل عدة عقود، خرج الشاب إدريس من قريته في تهامة عسير، متوجهاً إلى سوق "بيش" بمنطقة جازان، ومعه راحلته عليها كل ما يملك من تجارته المكونة من أقمشة ومواد أخرى بسيطة يتداولها الناس في ذلك الوقت.

وبعد وصوله لسوق بيش وقبل أن يعرض ما لديه أمام الزبائن، جاءت قوات الأمن بمحكوم بالقصاص من أجل تنفيذ الحكم الشرعي، إلا أن مساعي أهل الخير نجحت في إقناع أصحاب الدم بالتنازل، غير أنهم اشترطوا دية فورية.

وكان إدريس يتابع الموقف مثل غيره من عشرات المتسوقين والباعة، ولاحظ أن أهل القاتل فقراء لا يملكون شيئاً، فبرز من بين الصفوف ليعلن أنه تبرع بكامل بضاعته لأصحاب الدم، وكانت تساوي الكثير في ذلك الوقت، نظراً إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي كانت السعودية تعيشها قبل عصر البترول والطفرة.

ونجح إدريس في عتق رقبة شخص لا يعرفه ولم يره من قبل، وربما لم يره بعد ذلك اليوم، ودفع ثروته وكل ما يملك ثمناً لذلك، وكلما لامه أو سأله أحد عن الأمر، رد عليه: هي عند ربي.

وبعد فترة وجيزة، فتح الله عليه أوسع أبواب رزقه بعد أن بدأ من الصفر، وكبرت تجارته حتى أصبح أحد أكبر التجار في منطقة عسير، ولأنه مقتنع بأن عتقه لرقبة ذلك الرجل هي السبب في هذا الرزق الوفير، فقد واصل نهجه المتمثل في "شراء الآخرة بالدنيا"، حتى أصبح للفقراء والمساجد وأعمال الخير، مثل ما لأبنائه في ثروته، فشاع ذكره حتى وصل الآفاق، وأصبح وجهة كل فقير ومحتاج، لا يرد أحداً حتى لو علم أنه يتصنع الحاجة.

واليوم، يتوجه الآلاف من مختلف أنحاء المملكة إلى أحد المنازل بمحافظة محايل عسير لتقديم واجب العزاء في إدريس، حيث انتقل إلى جوار ربه صباح الجمعة الماضية، بعد أن ضرب للناس مثلاً في التقى والخير والصلاح، وترك في أذهانهم ذكرى الشيخ الزاهد إدريس فلقي، وليس رجل الأعمال الثري إدريس فلقي.

ومن المواقف التي تروى عن ذلك الشيخ الزاهد، أن مخازن يملكها تعرضت لحريق كبير، فجاءه من يخبره بالأمر وهو في المسجد بعد صلاة الفجر، غير أنه رفض أن يغادر المسجد قبل الوقت المعتاد وهو طلوع الشمس، ولم تفلح المحاولات والشروحات التي قدمت له عن حجم الخسائر في ثنيه عن موقفه.

ولا يُعرف على وجه التحديد عدد المساجد التي بناها أو ساهم في بنائها أو تأثيثها خلال العقود الماضية، فقد كانت دائماً من أهم أولوياته، إضافة إلى تخصيصه العديد من الأوقاف لجمعيات تحفيظ القرآن ولليتامى وغيرها من أعمال الخير، كحفر الآبار وحلقات الإفطار برمضان.

أما على الصعيد الشخصي، فقد اشتهر الشيخ إدريس -رحمه الله– بحرصه على تعليم أبنائه وتدريبهم على الاعتماد على النفس، ولم تشغلهم ثروته عن إكمال دراستهم في أصعب التخصصات، فأكمل بعضهم الدراسات العليا في جامعات بريطانية، بينما برز آخرون في مجال الخدمة الاجتماعية، وأصبحوا من وجهاء منطقة عسير.

ورثى العديد من الشعراء الشيخ الزاهد، منهم الشاعر زين عبدالله خواجي، حيث قال في قصيدة:

نجم هوى فاغبرت البيداء ** لله ماذا ينظم الشعراء

الحرف ألجِمَ والبيان مكبلٌ ** والشعر طأطأ وانحنى الإنشاء

الحزن أكبر أن يضمد جرحنا ** بفراق والدنا الكريم رثاء

مات ابن عبدالله إدريس الذي ** شهدت له الفقراء والكرماء

مات الذي للدين عاش حياته ** وتقاصرت عن بذله الأنواء

مات الكريم الشهم في مداته ** فالجود فيه سجيةٌ غراء

وغدا ستبكيه المساجد غدوة ** وتضج من فقد لك الفقراء

قسما بربك كنت من عمارها ** إذ نام عنها في الدجى الدهماء

يا أيها الشيخ الجليل عزاؤنا ** أن الممات حقيقةٌ وقضاء

وعزاؤنا أن قد تركت مآثرا ** يغرَى بها العقلاء والعلماء

لم تغرِكَ الدنيا ولم تحفل بها ** جاءتك إغراء وأنت سخاء

يا رب أسكنه الجنان كرامة ** فدعاؤنا يا رب فيك رجاء

أكرم وفادته بقرب محمد ** فلأنت تفعل ما ترى وتشاء


[/URL] (http://sabq.org/wUbgde#)[URL="http://sabq.org/wUbgde#"]
(http://sabq.org/wUbgde#)