نظراتُ عيونِك تأسرُني ..
بظلال الحزن تُحاصرُني ..
:
وسكوتُك ينطقُ بكلام ..
:
يعتصرُ القلبَ ويقتلني ..
:
:
وضعت اللمسات الأخيرة على مائدة الإفطار ..
ولم تنس شرائح البطاطس التي يحبها ..
ثم دفعت العربة الصغيرة بهدوء .. واتجهت نحو غرفته ..
دخلت بخطوات هادئة مترددة ..
تستشعرُ شيئاً من الخوف والوجل .. المغلف برداء سابغ من الحزن والإشفاق .. !
يا إلهي .. لم يغادر غرفته منذ عاد من ألمانيا ..
:
:
استغرقت عدة دقائق لتقطع الأمتار القليلة التي تفصلها عن الشرفة المطلة على حديقة المنزل الصغيرة وفنائه الخالي من السيارة .. !
اقتربت منه .. حاولت استحضار شجاعتها لتلقي عليه بالتحية ..
ـ السلام عليكم .. صباح الخيرات حبيبي .. ! .. هل تأخرتُ عليك ؟
اهتز وهو يلتفت نحوها .. متمتماً بكلمات خافتة .. لم تتبينها ..
ـ لحظة حبيبي أحضر مقعداً ..
عادت بسرعة تحمل مقعداً بلاستيكياً ..
جلست قبالته وعربة الإفطار بينهما ..
ـ هيا لنفطر حبيبي .. لابد أنك جائع .. لم تأكل جيداً ليلة أمس ..
ـ هل تعودت على طعام ألمانيا .. ؟!
شعرت بندم شديدٍ حينما رأت أثر كلماتها على ملامحه ..
تلك الملامح الوسيمة الجميلة التي تحبها ولا تغيب عن عقلها لحظة ..
ـ آسفة حبيبي .. ألا زلت غاضباً لأني لم أصحبك إلى ألمانيا ؟
أمسكت بيديه بين كفيها بحنان بالغ .. قائلةً : تعلم أنه لم يكن باستطاعتي فعل ذلك حبيبي ..
لقد حاول أبي جاهداً إقناع عمك ليترك له مهمة السفر بك ، وحينها كنت سأصحبك .. لكنه رفض بشدة ..
بل تجرأ بالتلميح أنه يريد الزواج مني .. !! تخيّل ..
إنه حتى لم ينتظر مرور عام على وفاة أخيه في ذلك الحادث البشع .. !
تهدج صوتها وارتعشت يداها وهي تقول : يريدني أن أتزوج بعد أبيك .. !! .. لا يمكن .. لا أستطيع أبداً ..
أنا سأتفرغ لك حبيبي .. أنت وأختيك رهف ورنيم .. ولن أفكر بالزواج مطلقاً .. أنتم كل حياتي ..
وأنتم ذكرى والدكم الغالي ..
أنت ولدي .. وحبيبي .. ورجلي الوحيد ..
ستكبر وتصبح أفضل وأعظم الرجال ..
مسحت دموعاً تساقطت من عينيها رغماً عنها ..
وامتدت يدها بمنديل تجفف نهر دموع فاض من عيني عبد الرحمن ..
أزاحت عربة الطعام جانباً .. وامتدت يدها إليه يتكئ عليها ..
لينهض من كرسيه المتحرك .. محاولاً التوازن على قدميه ..
ذات الأطراف الصناعية ..
بعد أن بترت ساقاه في الحادث الذي أودى بحياة والده ..
احتضنت رأسه وانحنت تقبلها بكل حنان ..
...
محمد العطار .
1/1/1436