عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-07-2014, 03:25 AM
الصورة الرمزية محمد العطار
محمد العطار محمد العطار غير متواجد حالياً
كاتب مُميز
 
تاريخ التسجيل: Jun 2013
الدولة: مدينة المذنب
المشاركات: 78
معدل تقييم المستوى: 12
محمد العطار is on a distinguished road
افتراضي طرائد الموت الغافلة .. مجموعة قصصية . ( 1 )

كعادته كل ليلة ..

تهيأ للخروج ..

متبختراً .. متعطراً ..

يجر أذيال ثوبه ..

سلسلة مفاتيحه تتأرجح في خنصره الأيمن ..

بينما تعبث أنامل يده اليسرى بشاشة الهاتف الذي يمسكه بيمناه ..

ونظارته الشمسية معلقة بجيبه العلوي ..

لم يكدر خاطره سوى صورة رفيق مغامراته وصديق رحلاته ..

الذي لقي حتفه في حادث أليم قبل عدة أسابيع ..

هز رأسه ومصمص شفتيه ..

وتمتم بأسى : خسارة في الموت عزوز .. !

لكنه سرعان ما طرد الصورة والذكرى من ذهنه ..

.. أخذ يدندن ببعض ألحان ونغمات مطربه المفضل ..

ثم ألقى بنظرة فاحصة يميناً ويساراً ..

واستلم مقود السيارة بشوق وتلهف ..

وما هي إلا ثوان معدودة ..

حتى انطلق مسرعاً لوجهته المألوفة ..

..

..

بحركات سريعة عدّل هندامه وغطى نصف وجهه تقريباً بنظارته الشمشية !

رغم أن عقارب ساعته تشير إلى ما بعد التاسعة ليلاً بقليل ..!

لا يدري ما الذي جعله يختار هذا المكان بالذات ليجرب ( الصيد ) كما يحلو له تسمية سلوكه المريض ..

شيئٌ ما جذبه إليه .. شعر أن أقدامه تخطو دون إرادته أو أنها لا تطاوعه لتغيير مساره .. !

كان يفضل ممراً آخر من الممرات العديدة في المجمع التجاري ..

يتفحص بعيونه الذئبية كل ما هو مؤنث ..

يعاكس هذه ويغازل تلك .. ويلتهم ما يبدو منهن وما استتر ..

لمح بطرف عينه ما خيل إليه أنه إشارة من إحداهن ..

فأسرع نحو مكانها ..

قبل أن تغيب عن عينه وسط العشرات ..

تسارعت نبضات قلبه ..

أين ذهبت ؟! ..

أضعتها .. ؟!

شعر بشيئ من الحسرة ..

لكن ..

لا يهم ..

لا زال الوقت مبكراً ..

والفرصة قائمة ..

والمكان مزدحم ..

ثم ..

لمحها مرة أخرى قرب بوابة الخروج ..

هي .. هي ..

نعم .. هي ..

لكن ما الذي يميزها ؟

ملابسها ؟ .. لا ..

بل هي ساترة سابغة أكثر من اللازم ..

لا يظهر منها ما يشجع على مغازلتها أو يغري بملاحقتها .. !

ماذا إذن .. ؟

لا أدري ..

المهم هيا قبل أن تغيب عن نظرك مرة أخرى ..

قبل خروجها من الباب التفتت نحوه وفي يدها شيئ ما ..

ثم مضت ..

أسرع الخطى .. حتى كاد يهرول ..

استولى عليه الفضول والرغبة في معرفة ما أشارت به إليه ..

شيئ ما في يدها ..

رفعته وخفضته وهي تنظر نحوه ..

لم ير عينيها ..

لكنه يجزم أنها نظرت نحوه ..

ترى من هي .. ولماذا أشارت إليه .. ؟!

شعر بخطوات خلفه ..

كأن هناك من يتبعه ..

التفت لم ير سوى المعتاد ..

نساء وأطفال ..

وبعض الرجال ..

أحدهم بيده طفل ينظر إليه ببراءةٍ آسرة ..

اقترب سريعاً من البوابة ..

نظر بلهفة نحو مواقف السيارات ..

ثم لمحها مرة أخرى ..

كانت تهم بركوب سيارة عائلية كبيرة ..

التفتت نحوه ..

وفي يدها ما يشبه الدفتر ..

توقفت .. تكتب شيئاً ..

..

بهذه السهولة ! .. وبتلك السرعة !

إنه أسرع ( صيد ) قام به ..

اعتدلت في وقفتها ..

واجهته .. تسمرت قدماه ..

لم يستطع التقدم أكثر ..

شعر بهيبة تعتريه ..

لأول مرة يهاب فتاة ..

وهو المشهور بين أقرانه بجرأته الشديدة ..

تحركت يدها ..

امتدت نحوه ممسكة بورقة مطوية ..

تردد قليلاً ثم تناول الورقة ..

فضَّها ليقرأ ما فيها ..

عدة كلمات ..

..

أخي شقيقي الأكبر ..

كان في مثل سنك ..

مولعاً بالأسواق مثلك ..

فارق الدنيا فجأة بحادثٍ شنيع وهو غارق في العصيان ..

فأدرك نفسك قبل فوات الأوان ..

......

رفع رأسه لينظر تجاهها ..

فإذا بها تشير له أن يلتفت ..

استدار سريعاً ..

ليطالعه وجه مألوف ..

مألوف للغاية ..

يعرفه ..

نعم يعرفه جيداً ..

ويحفظ ملامحه ..

إنه .. والد عزوز .. !

..

محمد العطار .. ٣ رمضان ١٤٢٣٥ هـ .

توقيع : محمد العطار
نعيش الحياة بحلوها ومرّها ..
نحتمل جراحَها .. ونرجو ثوابَها ..
ونطمع في حياةٍ بعدها .. في جوار الرحمن ..
لا يعتريها النقصُ .. ولا تكدرها الأحزان ..
محمد العطار .
رد مع اقتباس